نكمل إن شاء الله استدركات الشيخ ابن عثيمين رحمه الله على مواضع في تفسير الجلالين سورة السجدة
} اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) وهو في اللغة سرير الملك استواء يليق به
العبارة هذه مجملة ؛ فأهل التحريف يقولون : إن الاستواء الذي يليق هو الاستيلاء ، وأهل السنة والجماعة يقولون : الاستواء الذي يليق به هو العلو والاستقرار على وجه يليق به بدون تكييف .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
( مَا لَكُم ) يا كفار مكة ( ّمِن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ )
الصواب : العموم يعني ما لكم أيها المخاطبون فيشمل كفار مكة وغيرهم .
} اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ) أي غيره ( مِن وَلِيٍّ ) اسم " ما " بزيادة " من " أي ناصر ( وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (
إعراب ( من ولي ) على أنها اسم "ما " إما سبق قلم أو سهو من المفسر لأن هذا الإعراب خطأ فابن مالك يقول :
إعمال ليس اعملت ما دون إن ما بقا النفي وترتيب زُكِن
فلا بد أن يكون اسم " ما " قبل خبرها فإن لم تكن كذلك فإنها لا تعمل ، لأنها لا تعمل إلا على لغة الحجازيين بالشروط التي ذكرها ابن مالك . إذاً "ما" غير عاملة بل نافية فقط فتكون "من ولي" مبتداء مؤخرا
• تفسير "ولي" هنا بـ( ناصر ) قد يعترض عليه لأن الله يقول : ( ما لكم من دونه من ولي ولا نصير ) والعطف يقتضي المغايرة لأن النصير غير الولي ؛ ولهذا الأولى أن نفسر ( الولي ) بمن يتولى أمر الإنسان بجلب الخير له ودفع الضر عنه ثم إن قرنت بالنصير صارت خاصة بجلب الخير والنصير بدفع الشر .
مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ) يدفع عذابه عنكم ( أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (
هذا فيه نظر لأن الدافع هو الناصر والولي وأما الشفيع فليس يدفع ولكنه يشفع ويطلب ويتوسط ولهذا قالوا في تعريف الشفاعة : إنها التوسط للغير في جلب منفعة أو دفع مضرة ؛ لأن الشفيع يأتي شافعا للمشفوع له بعد أن كان فردا صار اثنين . فالصواب أن المراد بالشفيع أي شفيع يشفع لكم عند الله . فنحن ليس لنا أحد يتولانا من دون الله وليس لنا أحد يشفع لنا عند الله عز وجل إلا بإذنه فما لكم من دونه من ولي ولا شفيع . ولهذا لا تكون الشفاعة إلا بإذن الله ؛ قال تعالى : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه )
} يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ ) يرجع الأمر والتدبير ( إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (
جعل المفسر رحمه الله العروج بمعنى الرجوع فرارا من إثبات العلو الذاتي لله عز وجل ، ولا شك أن هذا تحريف لأن العروج غير الرجوع ؛ فالعروج الصعود ، وليس معناه أنه يرجع إليه يوم القيامة حتى يثيب عليه أو يعاقب
} ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ ) المنيع في ملكه .
دائما يمر علينا في تفسير المؤلف نفسه أن العزيز بمعنى الغالب ، وقد سبق لنا أن العزيز هو من اتصف بالعزة ، وأن العزة ثلاثة أنواع : عزة القدر ، وعزة القهر ، وعزة الامتناع ، فإن قلت : هذا الشئ عزيز فإنه بمعنى ذي قدر كما يقول القائل لأخيه أنت عزيز عندي أي لك قدر عندي ومنزلة .
وعزة القهر كما في قوله تعالى : ( وينصرك الله نصرا عزيزا ) أي تقهر به الأعداء
والثالث عزة الامتناع وهذا كما يقال في الأشياء النادرة : هذا عزيز ، وكما في قوله تعالى : ( وما ذلك على الله بعزيز ) أي بممتنع . ومعنى الامتناع باعتبار كونه صفة لله أن يناله نقص في ذاته أو صفاته .
( الرَّحِيمُ ) بأهل طاعته
كأنه أخذ هذا التخصيص من قوله تعالى : ( وكان بالمؤمنين رحيما ) والصواب أن الرحيم هو من رحم غيره ، ويشمل المؤمنين وغير المؤمنين . ولكنه إذا قيل ( وكان بالمؤمنين ) فالمراد بالرحيم هنا الرحمة الخاصة .أما إذا أطلق فهو رحيم بالخلق كلهم ؛ قال الله تعالى : ( وما بكم من نعمة فمن الله ) فهؤلاء الكفار رحمهم الله بالرحمة العامة بالمعنى العام فهو تعالى ينزل عليهم المطر وينبت لهم النبات ويعطيهم الرزق والصحة وغير ذلك ، ولكن هذا رحمة عامة ، أما رحمته بالمؤمنين فهي رحمة عامة وخاصة .
ـــــــــــــــــــ
( ثم جعل نسله من سلالة ) علقة ( من ماء مهين )
فسر المؤلف السلالة بالعلقة ، وليس كذلك ؛ بل السلالة : الخالص من الشئ ، فسلالة الشئ خالصه الذي يسل منه .
ـــــــــــــــــ
( ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ) مطأطؤوها حياء يقولون ( ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون )
في النفس من هذا التفسير شئ ، ولكن الظاهر أنهم ناكسوها ذلا وخضوعا لسلطان الله بدليل قوله : ( ربنا أبصرنا ) أما حياء فالحياء محمود ، لكن الواقع أنهم ينكسونها ذلا كما قال تعالى : ( وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي )
ـــــــــــــــــــــــــ
وتقول لهم الخزنة إذا دخلوها: ( فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون )
هذا لا يوافق ظاهر الآية ؛ فلا يناسب أن يكون القائل " إنا نسيناكم " الملائكة ، بل الصواب أن القائل هو الله ؛ كما قال تعالى : ( نسوا الله فنسيهم ) فهذا القول من كلام الله عز وجل يقول لهم تقريعا وتوبيخا وتنديما أيضا .
ــــــــــــــــــــــ
إنما يؤمن بآياتنا ) القرآن ( الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون )
قول المؤلف في تفسيره ( آياتنا ) بأنها القرآن أي الآيات الشرعية ، والصواب أنها عامة : الآيات الشرعية والكونية ، كمن ذكر بما يفعله الله عز وجل بالمكذبين والمجرمين فإن ذلك داخل في الآيات ، ثم إن قوله ( القرآن ) يقتضي أن هذا القول ( إنما يؤمن بآياتنا ) خاص بهذا الأمة لأنهم هم أهل القرآن ، ولكن الأولى أن تؤخذ على سبيل العموم حتى فيمن سبق كما قال تعالى ( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا )