الحسنة بعشرة أمثالها .
خلق الإنسان على الحفاظ على نفسه و من ذلك إعتقاده الغالب بأن المال سبب في حياته و رفاهيته و أن الأنانية تجعل الفرد لا ينظر إلا إلى نفسه دون الإلتفات إلى غيره من البشر و مما لا شك فيه أن الإيمان بالله الخالق الوهاب الذي خلق و أعطى و أمر بأن تستمر الحياة على هذه الأرض بالتكامل و التفاهم و التكافل لم يعط الله سبحانه و تعالى كل البشر و هو قادر ليكون كلاً منهم غنياً عن الآخر بل جعل الدنيا دار إختبار للآخر في كل سكنة و حركة و جعل الفقراء و المحتاجين أمام أعين الأغنياء و يا له من مشهد ينجح فيه من ينجح و يرسب فيه أناس كثيرون و فرض سبحانه و تعالى مقداراً يسيراً من المال ليسدوا حاجة الفقراء ليغنيهم لحكمة نستشف منها إستمرار الحياة في هذه الدنيا فمن ينجح في هذا الإمتحان و يكسر حاجز البخل و الشح و ينتصر على شيطان نفسه ؟ من ؟ ( قد أفلح من زكاها ) ( إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون ) ( و ما أنفقتم من شيء فهو يخلفه و هو خير الرازقين ) كل ذلك ترغيب في إخراج الزكاة و لا يعني أن هذه الفريضة على الإستحباب .. بل هي التي قاتل من أجلها أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - و المسلمين مانعيها و قال لعمر : و الله لأقاتلن قوماً إرتدوا عن الزكاة و الله لو منعوني عناقاً مما فرض الله و رسوله لقاتلتهم .
يقول الله عز و جل : ( و لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خير لهم بل هو شر لهم سيطوقون بما بخلوا به يوم القيامة ) و لنتأمل هذا الموقف للصحابي الجليل عثمان رضي الله عنه أصاب الناس قحط في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فلما إشتد بهم الأمر جاؤوا إلى أبو بكر الصديق و قالوا : يا خليفة رسول الله إن السماء لم تمطر و الأرض لم تنبت و قد توقع الناس الهلاك فما تصنع ؟ فقال لهم : إنصرفوا و أصبروا أرجو الله ألا تمسوا حتى يفرج الله عنكم فما كان آخر النهار إلا و قد ورد الخبر بأن عيراً لعثمان بن عفان رضي الله عنه جاءت من الشام فلما جاءت خرج الناس يتلقونها فإذ هي ألف بعير عليها براً (( أي قمح )) و زيتاً فأناخت بباب عثمان فلما جعلها في داره جاء التجار فقال لهم : ما تريدون ؟ قالوا : إنك لتعلم ما نريد بعنا من هذا الذي وصل إليك فإنك تعلم ضرورة الناس إليه .
قال : حباً و كرامة كم تربحونني على شرائي .
قالوا : الدرهم درهمين .
قال لهم : أعطيت زيادة على هذا .
قالوا : أربعة .
قال : أعطيت زيادة على هذا .
قالوا : خمسة .
قال : أعطيت زيادة .
قالوا : يا أبا عمر ما بقى في المدينة تجار غيرنا و ما سبقنا إليك أحد فمن الذي أعطاك ؟.
قال عثمان : إن الله أعطاني بكل درهم عشرة أعندكم زيادة ؟.
قالوا : لا .
قال : فإني أشهد الله إني جعلت ما حملت هذه العير صدقة الله على المساكين و فقراء المسلمين .
إن ذلك الموقف النبيل لا شك يحرك في نفوسنا معاني البذل و العطاء و الخير الفياض الذي فقده غير قليل من الناس .
فنعم الصحابي الجميل و لا يسعنا إلا أن ندعوا له كما دعا له رسول الله - صلى الله عليه و سلم - في قوله : اللهم إرض على عثمان فإني راض .